المرحلة الثالثة

ادارة استراتيجية

تعدُّ الإستراتيجية قديماً وحديثاً سلاحاً سحرياً تطمح جميع منظمات الأعمال لاستخدامه من أجل كسب المعركة التنافسية والانتصار فيها وإلحاق الخسائر بالمنافسين لغرض توسيع الفجوة التنافسية فيما بينهم والوصول إلى قمة هرم النجاح في مجال الأعمال والريادة، لكن علينا أن نفهم جميعاً أن تلك الأداة لم تعد تعطي السحر نفسه بالنسبة لمنظمات ليس النجاح في موقع السوق هو هاجسها الوحيد، بل طموحها العالي هو تحقيق الإستدامة التي تضمن النجاح في المدى البعيد وتحقق رضا مجموعات متنوعة من أصحاب المصالح بدءاً بالمالكين أو أصحاب الحصص لتحقيق عوائد جيدة على استثماراتهم، والمجتمع الذي بدأ يطالب المنظمات بتقديم خدمات لا حصر لها إنطلاقاً من مبدأ المسؤولية الإجتماعية، بل حتى البيئة فقد أصبح لها مدافعون يطالبون منظمات الأعمال بالعمل وفقاً لشروط تضمن عدم إستخدام المواد والمعدات التي تسبب التلوث، بل وأكثر من ذلك فقد بدأت مثل هذه الجهات بالمطالبة بتقديم ضرائب تستخدم وارداتها لإدامة الكوكب الأخضر الذي نعيش على سطحه  نظير استنزاف موارده من قبل تلك المنظمات.

       وخلال العقدين الأخيرين سيطرت فكرة الإستدامة على سياسات معظم المنظمات الأمر الذي دفع المهتمين لجعلها محوراً للنقاش في القمة التي أطلق عليها (قمة الأرض) والتي عقدت في (ريو دي جانيرو) عام (1992).

       إذن المسألة لم تعد مجرد منافسة بين مجموعة من المنظمات تمثل صناعة معينة هدفها تقديم منتوج أو خدمة من نوع ما لمجموعة من الزبائن وبالتالي تحقيق أكبر نسبة من الحصة السوقية مما يضمن لها النجاح والاستمرار، بل تعدى الأمر ذلك لتصبح المنافسة خارج حدود الصناعة وليصبح المنافسون هم (الاقتصاد، المجتمع، والبيئة ) بدلاً من مجرد منظمات تقوم بإنتاج المنتوج نفسه.

       نستخلص مما تقدم أن إعتماد آليات الإدارة الإستراتيجية التقليدية ربما تضمن النجاح في المنافسة ضمن حدود الصناعة، إلاَّ أن المنظمات التي تطمح لكسب ميزة الإستدامة عليها البحث عن بديل يضمن لها الخوض في متاهات هذا العالم الخطير، مما دعا المؤلفون للبحث عن أساليب واليات إدارة إستراتيجية جديدة  تتمكن المنظمات معها من مواجهة ظروف البيئة التي تميز الألفية الثالثة،  ومن خلال البحث المتواصل في مختلف المصادر العلمية والدوريات وما أتاحته الشبكة العنكبوتية من سيل دافق من المعلومات، وبعد جهد كبير في تجميع وتحليل النصوص والحالات الدراسية والمقالات والأمثلة تبين أنه ليس من المستحيل على منظمات الأعمال أن تحقق ميزة تنافسية باقية للأبد إذا ما تمكنت من إدراك واعتماد آليات الإدارة الإستراتيجية المستدامة، والتي عمد المؤلفون إلى صياغتها بإطار منهجي وعلمي متكامل تفضي فصوله بعضها إلى بعض في سلسلة متواصلة توصلنا للغاية الرئيسة من هذا الكتاب الذي جرى تنظيمه في سبعة عشر فصلاً غنياً بالمعرفة بحثت في مواضيع مهمة ابتداءً بعرض المفاهيم الأساسية المرتبطة بالإستراتيجية، متعرضاً لمفهومها وتطورها، متوغلاً في أهميتها وأبعادها، منتقلاً إلى المحاور الجوهرية للإستراتيجية (التحليل والتطوير والتنفيذ)، معرجاً على مستويات الإستراتيجية وغيرها من المواضيع ذات الصلة بالإستراتيجية.

       ليتعرض بعد ذلك لموضوع مفاهيم في الإدارة الإستراتيجية والذي يهدف إلى تحليل مفهوم الإدارة الإستراتيجية ومنافعها وأوجهها وخصائصها ومراحلها...الخ

       عرج المؤلفون بعد ذلك إلى أهم العلماء الذين أضافوا لحقل الإستراتيجية ومثلت كتاباتهم بصمة واضحة في هذا الميدان المعقد وإلى أهم نظرياتها ومداخلها، وجرى عرض مجموعة من نماذج عملية الإدارة الإستراتيجية الأجنبية والعربية مع طرح للأنموذج الذي ميز هذا الكتاب. ومن ثم تناولنا التوجه الإستراتيجي (الرؤية والرسالة والأهداف)، بالإضافة إلى موضوع التحليل الإستراتيجي والذي يشمل التحليل الداخلي والخارجي لبيئة المنظمة فضلاً عن تناولهم موضوع جديد ضمن أدبيات الإدارة الإستراتيجية وهو (التخمين الإستراتيجي).

       وخصص فصل مستقل لـ(تحليل الصناعة والمنافسة)، وكنتيجة لعملية التحليل الإستراتيجي للبيئة الخارجية وبيئة الصناعة والمنافسة والبيئة الداخلية وما ترتب عليها من نتائج تقوم الإدارة الإستراتيجية بالخطوة الأخيرة في مرحلة الصياغة وهي القيام بالاختيار الإستراتيجي، ثم أنتقل الكتاب إلى الإستراتيجية الدولية كضرورة حتمية كون نتائج الأعمال لا تخص بلد معين من الآن وصاعدا.

       تناولنا بعد ذلك التنفيذ الإستراتيجي، إذ خصص هذا الفصل لبيان مفهوم وأهمية ومتطلبات وآليات التنفيذ. في حين فرز فصل خاص بالقيادة الإستراتيجية والتي تعدُّ سلاحاً جوهرياً في نجاح عملية الإدارة الإستراتيجية وتحقيق ميزة الإستدامة التي تسعى المنظمات لتحقيقها بوصفها من أهم متطلبات النجاح في الألفية الثالثة.

       وكان لزاماً التعرض لمرحلة الرقابة والتقويم والتي تكمل دورة الإستراتيجية التي ابتدأت بالصياغة مروراً بالتنفيذ.

       وقد إختتم المؤلفون كتابهم بأحدث ما كتب في الإدارة الإستراتيجية من أبوابه فكان فصل التدقيق الإستراتيجي يحمل في طياته مفهوم التدقيق وأسئلة التدقيق الإستراتيجي. كما جرى التطرق إلى التحالفات الإستراتيجية، كما تناول الكتاب جدلية التكامل بين الريادة والإدارة الإستراتيجية انطلاقاً من سعي الكتاب إلى تحديد مسارات الإبداع وخلق القدرة عبر عمليات التكيّف الإستراتيجي لمنظمات الأعمال، وأخيراً اختتمنا الكتاب بموضوع الإدارة الإستراتيجية المستدامة وهو الهدف الأساس من هذا الكتاب والذي نرى أنه يمثل الأسلوب الأنجع لإدارة المنظمات في القرن الحادي والعشرين ليمثل الإضافة الحقيقية والأصالة في هذا الجهد العلمي الذي نضعه بتواضع بين يديك عزيزي القارئ عسى أن ينال رضاك.